قرأتُ قبل بضعة أيام رواية شهيرة لـ إليزابيث جيلبرت بعنوان (طعام، صلاة، حب). تدور أحداث الرواية حول امرأة في العقد الثالث من عمرها، يحصل معها الطلاق المرّ فيصفع تردّداته العنيفة إليزابيث، التي تنهض بعد وقت محطمة ولكن مصممة على البحث عن كل ما تفتقده. هنا يبدأ البحث، في روما تغرق في ملذات الطعام والحفلات، وفي الهند تنير الهداية روحها، وأخيراً في بالي تكتشف على يدي عراف سقطت أسنانه الطريق إلى السلام الذي يقودها إلى الحب!
ما يهمني هو ما حصل معها في الهند، حيث تقطع “إليزابيث” كل هذه المسافة إلى معتزل في قرية نائية في الهند، فقط لكي تجد “السلام الداخلي” ولو بأيّ ثمن! خلال كل تلك الفترة التي قضتها في الهند، كانت تتمنى لو تستطيع الاستعانة بـ “غورو” أو (معلم) إذ ليس من السهل أبداً أن تحصل على غورو خاصّ بك. عموماً، وظيفة هذا “الغورو” هو إرشادك إلى السلام الداخلي ونور الهداية.
طبعاً لم تستطع “إليزابيث” الحصول على واحد، لذا قررت البحث عن السلام الداخلي، من خلال الفيباسانا (نوع من التأمل) وهو تقليد بوذي بالغ الحدة، يعتمد على الجلوس وحسب. تدوم دروس الفيباسانا التمهيدية لعشرة أيام، يجلس خلالها التلميذ عشر ساعات في اليوم في أوضاع تمدد ساكنة تدوم لساعتين أو ثلاث متواصلة. حتى إن معلم الفيباسانا لا يعطيك مانترا، بل يعتبر ذلك نوعاً من الغشّ. ذلك أن الفيباسانا تقوم على مجرّد النظر إلى العقل ومشاهدته والتأمل التام في نماذج تفكيرك، من دون السماح لشيء أن يحركك من جلستك. وهي متعبة جسدياً أيضاً، فمن الممنوع تحريك جسدك نهائياً متى جلست، مهما كانت انزعاجك كبيراً. وإن شعرت بالانزعاج، عليك أن تتأمّل في هذا الانزعاج وتراقب أثر الألم الجسدي عليك! لم تكتفِ “إليزابيث” بالفيباسانا بل جرّبت أيضاً الغوروجيتا وهي العقبة الكبرى التي واجهتها في المعتزل. الغوروجيتا عبارة عن أنشودة تتألف من 182 بيتاً، وكل بيت هو عبارة عن فقرة سنسكريتية غير مفهومة. وتستغرق تأدية أغنية المقدمة والكورس والطقس ساعة ونصف تقريباً. وكانت (أي الغوروجيتا) السبب الرئيسي للنهوض عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل هناك. كانت إليزابيث تكرهها، بل وتمثّل رعب حقيقي بالنسبة لها لها؛ إذ كانت تشعر باهتياج في جسدها، ويبدأ جسدها في التصبصب عرقاً. كان هذا فقط بعض من أنواع التأمل والطقوس الروحية التي حاولت إليزابيث من خلالها جاهدة الوصول إلى حقيقة السلام الداخلي، ولم تصل!
كل هذا يدفعني إلى السجود لله شاكرة بأنني مسلمة، فلستُ بحاجة إلى أن أجوب العالم للبحث عن السلام الداخلي والحقيقة من وراء وجودنا أو ممارسة طقوس دينية زائفة وغير منطقية ولا أساس لها من الصحّة، فالحمدلله حمداً كثيراً على نعمة الإسلام، والعقل!
دوام الحال من المحال، وطبعُ الدنيا التقلب من حالٍ إلى حال. لذا مهما بحثت عن السعادة سواءً بحثت عنها في الماديات بشتى أنواعها، أو بالمعنويات، أو حتى بالأشخاص فلن تجدها إلا إذا عرفت كيف تجد السلام الداخلي. فالسعادة الحقيقة تكمن وراء السلام الداخلي، وهو ذلك الاطمئان والرضا والقناعة الداخلية بالرغم من كل الظروف الخارجية التي تحيط بك.
أختم كلامي بنموذج رائع نجده في حياة ابن تيمية. يقول ابن تيمية (بعد أن زُجّ به في السجن من قِبل أعدائه) :
“ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري أنّى رحتُ فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”.